قيل في الأدب العربي:
إذا نَزلتَ في أرضِهم فَأَرضِهِم
وإذا نَزلتَ في دارِهم فَدارِهِم
وإذا نَزلتَ في حَيّهِم فَحَيِّهِم
المعاملاتُ الإنسانيةُ في هذه الحياة تقتضي العديدَ من المهاراتِ والقيمِ الأخلاقية التي تساعدُ الإنسانَ بلا شك ليحيا في هذه الدنيا حياةً طيبةً متزنةً وينعمُ براحةِ البال .. أليستْ راحةُ البال مطلبَ الجميع؟
السؤال الذي قد يطرحه البعض: لماذا يُطلب مني مداراة الآحرين أو الاهتمام بهم والتلطف معهم؟ وهل أنا مُجبر على مثلِ هذا السلوك الذي يُطلَق عليه اليوم (المجاملة)؟ والإجابة: بالطبع أنتَ لستَ مجبراً على هذا السلوك أو غيره .. والحقيقة أن لا أحد مجبر على حسنِ الخلق أو حسنِ التعامل مع الآخرين! فإدارتك لعلاقاتك الإنسانية هو قرارك الشخصي الذي يعكس رغبتك وقناعاتك.
لكن لو نظرنا للموقف الوارد في الاستشهاد الأدبي الذي ذكرتُه في بدايةِ المقال من زاوية مختلفة ووضع كلّ منا نفسه مكان أهل الأرض أو أهل الحي أو حتى أهل الدار وتخيلنا سلوك هذا الضيف الذي حلّ بدارنا أو حَيّنا .. ألن تكون سعيداً بِحُسنِ تَحيّتِه ولُطفِ مُداراتِه وحِرصِهِ على إرضائِك وعدمِ إزعاجِكَ؟ .. أَلنْ يُعْجبكَ ذلك؟ في كثيرٍ من الأحيان نَلبسُ رداءَ المهاجم فَنَصُد الأفكارَ الجيدة التي تحملُ سمةَ التحسينِ والتطويرِ لِسلوكنا ونَبْني بيننا وبَيْنها الحواجزَ المنيعةَ باستخدام الكثير مِن المبرراتِ الواهيةِ في أغلبِ الأحيان بل ونَنظرُ إليها نظرةَ المرتابِ الذي يخشى أن يكون في هذه الأفكار عبءٌ جديدٌ لا يُطيقُهُ ..
بينما لَو نَظرَ المرءُ إلى هذهِ الأفكارِ الجَيّدة نظرةَ المستفيدِ منها فَإنني لا أَشُك في أَنّ نَظرتَهُ لها ستكونُ مُختلفةً ولا أشكّ أيضاً في أَنّهُ سَيحْمَدُ اللهَ تَعالى عَلى توفيقِهِ وإعانتِهِ لَهُ عَلى تَقبُّل الأفكارِ الجديدةِ وتَغييرِ نَظرتِهِ وتحسينِ سُلوكِهِ.
البعضُ منا ينتقدُ سوءَ تَعاملِ الآخرينَ مَعهُ فَلا هُم بِالوَدودين ولا هُم بِالمُتعاونين ولا هُم بِالمُبادِرين وقائمةُ الانتقادِ قَدْ تَطول لِتشمَلَ سُلوكَ الآخرين وألفاظَهُم وأحياناً نَواياهُم .. أليسَ هذا أمرٌ واقع؟
ما رأيُكَ لو قَرّر كلٌّ مِنّا ونحنُ بِكامِلِ إرادتِنا أَن نَسْلُكَ معَ الآخرين السلوكَ الذي وَردَ في الاستشهادِ الأَدَبي المذكور في مقدمةِ المقالِ؟ والتزمنا بهذا السلوك مهما كانت النتائج .. هلْ لكَ أَن تتخيّلّ انعكاسات هذا الأمر عليكَ أولاً ثم على مَن هُم في مُحيطِكَ .. إِن آثارَ التزامكَ بالتّوددِ والتَلطفِ في تَعامُلِك مع الآخرين لا يُؤدّي بكَ إلى تحقيقِ مكاسب خارجية مع الناسِ الذين تتعاملُ معهم وَحَسْب بَل إِن المكسبَ الأكبرَ سَيتحقّقُ لكَ أنتَ على مُستواكَ الذّاتي والشّخصي .. نَعَم بِالطّبعِ فَإنّ حُسنَ الخُلقِ لا يَأْتي إِلا بِخيرٍ وهُو طريقُكَ نَحو الاتّزانِ وَبِه تَصلُ إلى راحةِ البالِ بإذنِ اللهِ تعالى .. جرّبْ أَن تَتَعاملَ مع الآخرينَ بِكل الأخلاقِ التي تُحب أَن يُعاملوكَ بها وَدَعْني أُصْدِقُك القولَ فإن التّوَددَ والتَّلطُّفَ والمُداراةَ التي نَنْتهجُها في سُلوكِنا مع الآخرين هي سِرُّ الشعورِ بالسعادةِ والرّضا وهي سببُ الابتسامةِ الدائمةِ المرتسِمة على المُحَيّا وهي التي تصبغُنا بِصبغَةِ الإيمانِ .. نَعم كما قال الرّسولُ الكريمُ عَليهِ الصّلاةُ والسّلامُ: "لا يُؤمِنُ أَحدُكُم حَتى يُحِبَّ لأخيهِ ما يُحِبُّ لِنَفْسِهِ". رواه الشيخان
إِنّكَ إنْ أَحبَبْتَ سُلوكاً طيباً راقَ لكَ ووَددْتَ أَنْ يُعامِلَكَ بِهِ الناسُ فَاعْلم أَنّ الناسَ مِثْلكَ يُحبونَ أَن تُعامِلَهم بِهِ.