الذاكرة هي قدرة الدماغ على تسجيل المعلومات المختصة بالأشياء أو الأحداث مع إمكانية استرجاعها عند الحاجة. وهي تعتبر نتيجة لعملية التعلم والتي تعني اكتساب خبرات أو مهارات أو معلومات أو معارف جديدة. الدراسات التي تهتم بالذاكرة على مستويات مختلفة فقد تكون دراسات بفسيولوجية الدماغ (الأعصاب والشبكات العصبية والكيميائية الخاصة بالدماغ)، أو دراسات تختص بعلم النفس. نركز في هذا المقال على الدراسات المختصة بعلم النفس وما يرتبط بها من القدرة على التذكر (بمعنى استرجاع المعلومات عند طلبها)، والحالة المزاجية المرتبطة بالذكريات (الجميلة ومنها والمزعجة).
معلوم في علم النفس أن للذاكرة ثلاث مراحل وهي:
- الترميز:
(بمعنى الاستدلال أو التسجيل) وهي عملية معالجة استقبال وربط المعلومات المدخلة من خارج الإنسان التي يستقبلها الإنسان عبر الحواس الخمس وتكون على شكل مؤثرات كيميائية أو فيزيائية. في هذه المرحلة قد تتغير المعلومات لنحفز الذاكرة على العمل بمعنى قد يضع الفرد المعلومة المدخلة لدماغه ضمن التفكير (العقلاني أو غير العقلاني) فيضع الإنسان تحليله الذاتي للمعلومة. مثال عند رؤية صديق عابس ومشغول بأمر ما، يقوم الإنسان بتحليل أنه منزعج منه فتكون استقباله لذلك الصديق بأنه "الصديق المنزعج مني".
- التخزين:
وهي إنشاء تسجيل دائم للمعلومات المدخلة والمشفرة (أي التي حللها الشخص وربطها بقناعاته وأفكاره). فيها يتم الاحتفاظ بالمعلومات لفترات زمنية مختلفة.
- الاسترجاع:
إعادة المعلومات عند الحاجة إليها والتعرف على وجودها لاستخدامها في نشاط معين أو خلال عمليات معينة. فيها نرجع المعلومات لمنطقة الوعي (أي ندرك أن هذه المعلومات موجودة، أو أننا كنا نحفظها والآن تحتاج منا ضغط لاستخراجها). بعض عمليات استرجاع المعلومات تكون غير مجدية ببساطة لأن المعلومات لم تخزن بشكل جيد.
وقد يحدث الخلل في إحدى هذه المراحل بحيث تقود إلى النسيان لأنه ببساطة حدث تشويش من ترميز المعلومات وبالتالي تخزينها بالشكل الصحيح. وقد تكون في مرحلة التخزين لم ترتبط بأي انفعال يؤدي إلى تحفيز تخزين هذه المعلومات.
أنواع الذاكرة
- الذاكرة اللحظية: تستمر للحظات تنبه فيه الخلايا العصبية. وهي نتيجة لمؤثرات خارجية استشعر بها الإنسان عن طريق الحواس. فيها ذاكرة بصرية وحسية وسمعية. وهذه الذاكرة غير مرتبطة بالعمليات المعرفية مثل الأنواع الأخرى وهي تحدث بغير وعي صاحبها بمعنى أنها تحدث بسبب المؤثرات الخارجية التي تستقبلها الحواس. دورها يتركز باستقبال المعلومات ومحاولة إرسالها للجزء الذي سيتعامل معها. وتستطيع الاحتفاظ في اللحظة الواحدة ما بين (٧ +\- ٢) معلومات.
- الذاكرة قصيرة المدى أو التي ممكن تسميتها بالذاكرة العاملة والتي تستمر من بضع دقائق إلى عدة ساعات يحدث بها استثارة للخلايا العصبية المنتبه.
- الذاكرة طويلة المدى قد يحدث فيها تغيير في تركيب الشبكات العصبية وبالتالي فهي تدوم لفترات طويلة ممكن أن تستمر مدى الحياة. تحتوي على عدد غير محدود من المعلومات وتستمر لفترات طويلة جدا. قد تكون الذاكرة طويلة المدى واضحة ومعروفة أو ذاكرة مخفية. تكون واضحة (استدعائية) عند الرغبة بتذكر أي من المعلومات والمواقف والأحداث، كتذكر رقم هاتف الصديق أو اسم الشخص المقابل. وتكون خفية (أو تلقائية) في أنها ذاكرة الأحاسيس والسلوك الروتيني مثل تذكر كيفية قيادة السيارة أو ماذا نفعل عند الشعور بالجوع (نبحث عن شيء للأكل من مكان محدد نعلم أنه يوجد فيه أنواع من المأكولات).
مهارات تقوية الذاكرة
- التدريب والإعادة التي تعمل على تنشيط الذاكرة قصيرة المدى بهدف تخزينها في الذاكرة طويلة المدى. والشروط الواجب توافرها في التدريب ليساعد على حفظ المعلومات (الاستمتاع، التركيز، الإرادة)
- استخدام الحواس الثلاث المرتبطة بالذاكرة السمعية والبصرية والحسية وذلك لتنشيط الذاكرة اللحظية وتفعيل العاملة لتخزين المعلومات بشكل انسيابي صحيح.
- ممارسة الرياضة (المشي أو الأيروبيك) تساعد على تغذية مناطق الدماغ المسؤولة عن الذاكرة بالدم، مع تذكر تناول غذاء صحي بعد الرياضة مباشرة يغذيه بالجلوكوز والأنسولين التي تزيد من عمل الذاكرة طويلة وقصيرة المدى وأفضل الأنواع هو الكرز البري (الأسود) الذي تثبت الأبحاث دوره الهام بحماية الأعصاب.
- أثبتت الدراسات دور العلاقات الاجتماعية الجيدة والتواصل المباشر مع بعض. فقد وجدوا أن الأشخاص بسن الثمانين ممن وصفوا حياتهم الاجتماعية بأنها مستقرة لديهم نفس كفاءة الذاكرة لمن هم بسن الخمسين، وأن من لديه علاقات اجتماعية مزعجة ومسببة للضغط لديهم قابلية أكبر من غيرهم للإصابة بالزهايمر.
- ممارسات ألعاب الذاكرة لأن قوة الذاكرة تأتي باستخدامها والتدرب عليها وليست من فسيولوجية الذاكرة. وقد أثبتت الدراسات أن التدرب نصف ساعة لست أسابيع يساعد على تذكر المعلومات بثلاث أضعاف من لم يدرب ذاكرته.
- حفظ القرآن والشعر أو الأغاني كلها تساعد على تنشيط التواصل العصبي بين مناطق الدماغ المسؤولة عن الذاكرة.
- الابتعاد عن الضغط غير الصحي فهو معيق أساسي لعمل الذاكرة بشكل انسيابي.
مهارات التعامل مع الذكريات المؤلمة
تثبت الدراسات المختصة بعلم النفس العصبي بأننا عندما نقوم باستحضار المعلومات من الماضي نقوم حقيقة بتشويه الذكرى وتحريفها والإضافة عليها قبل إعادتها إلى منطقة التخزين مرة أخرى. وعند معرفة ذلك كان لزاما التأكيد على أن ما حدث في الماضي يؤثر على مشاعرنا الحالية التي شوهت حسب المزاج الحالي فنقوم بتعطيل المستقبل بما يرتبط وهذه الذكرى. فمثلا في حالة عدم التعافي من الطلاق، تبقى ذكرى الأذى الذي تعرض له الإنسان من شريك الحياة حاضرة مع كل مؤثر يعيد فتح الصندوق الأسود المحفوظ في الذاكرة طويلة المدى وعند فتحه تخرج معه المشاعر المزعجة المرتبطة به ثم يضاف عليه الخبرات الجديدة مع المشاعر الآنية فتسوء وتتشوه الذكرى وعليه تكون معيقا للحصول على الراحة والسلام النفسي لدرجة قد تصل إلى أخطاء بالتفكير في المستقبل مثل التعميم أن جميع الرجال مزعجين، أو أنني فاشل في علاقتي مع الشريك وغيرها.
ولذلك فإن القصص التي نعيد تذكرها وفتحها هي ذاتها التي تحتاج إلى التعامل معها ووقف الإضافات والتشويه والمشاعر السيئة المرتبطة بها. وهناك ثلاث استراتيجيات للتعامل مع الذكريات المزعجة وهي:
أولا: العفو
ويقصد عند الحديث عن العفو هو محاولة التعافي من الذكرى المزعجة وكل ما يرتبط بها من مشاعر أليمة تتحفز عند السماح للذكرى بالخروج ولذلك لابد من تذكر عدة أمور أهمها:
1- العفو للنفس أولا وللأخطاء التي ترفع من شعور الذنب
2- العفو للآخر وتخفيف كمية الغضب المرتبطة به
3- منع الاسترسال بالأفكار المرتبطة بالذكرى المزعجة باختيار بدائل فكرية
4- تحويل الذكرى إلى خبرة عملية
5- تذكر أن من سبب لك الذكرى المزعجة فعلها بسبب وجهة نظر منطقية بالنسبة لهم مع إعطاء تفسير لذلك المنطق (مثلا هذه الطريقة التي تربوا عليها، هكذا هي منظومة الفكر الخاصة به، معاناة نفسية ترتبط به، أو هكذا كان يعامل،...)
ثانيا: أخذ العبرة وتعلم الخبرة
البحث عن الخير في كل سبب الذكرى المزعجة، ارسمها وحولها لشيء جميل. ومحاولة تغيير وجهة النظر والرؤية من زاوية جديدة. لذلك عليك التالي:
1- إخراج الذكرى من الماضي
2- رسمها على صفحة بيضاء أو كتابتها إن فضلت ذلك
3- ضع كل المشاعر المزعجة على رسمتك
4- حاول قلب الصفحة وتفسير بعض الأحداث ووضع تبرير لما حدث
5- اخرج بما يجب عليك فعله وما تعلمت عدم عمله
ثالثا: تغيير الصورة الذهنية للذكرى
بما أنك تستحضر الذكرى وتخرج كل ما فيها من مشاعر مؤلمة وهي حقيقة غير موجودة كما حدثت، أخرج هذه الذكرى وعدل عليها وضع إضافاتك للصورة الذهنية المرتبطة بها ويكون ذلك عن طريق:
1- حدد الصورة التي ترغب بتعديلها
2- أغلق عينيك
3- استحضر الصورة المؤلمة
4- استعرها بالأصوات والألوان والروائح
5- حدد إن كنت داخل الصورة أم أنك خارجها
6- غير ألوانها وضع عليها صور مضحكة
7- اقلب الصورة أو ابعدها عنك
8- شتت ذهنك وأنت تفكر بهذه الصورة من خلال الربت بشكل ممنهج